اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 157
وأما أرباب القول الأول فيقولون: معنى الآية: الشهر الحرام الذي دخلتم فيه الحرم بالشهر الحرام الذي صدوكم فيه عام أول. وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ: اقتصصت لكم منهم في ذي القعدة كما صدوكم في ذي القعدة. وقال الزجاج: الشهر الحرام، أي: قتال الشهر الحرام بالشهر الحرام، فأعلم الله عزّ وجلّ أن أمر هذه الحرمات لا تجوز للمسلمين إلا قصاصاً، ثم نسخ ذلك بآية السيف، وقيل: إنما جمع الحرمات، لأنه أراد الشهر الحرام بالبلد الحرام، وحرمة الإحرام.
قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ، قال ابن عباس: من قاتلكم في الحرم فقاتلوه.
وإنما سمى المقابلة على الاعتداء اعتداءً، لأن صورة الفعلين واحدة، وإن كان أحدهما طاعة والآخر معصية. قال الزجاج: والعرب تقول: ظلمني فلان فظلمته، أي: جازيته بظلمه. وجهل فلان عليَّ، فجهلت عليه. وقد سبق بيان هذا المعنى في أول السورة.
قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ، قال سعيد بن جبير: واتقوا الله ولا تبدأوهم بقتال في الحرم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 195 الى 196]
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196)
قوله تعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. هذه الآية نزلت على سبب، وفيه قولان:
(80) أحدهما: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما أمر بالتجهز إلى مكة، قال ناسٌ من الأعراب: يا رسول الله! بماذا نتجهز؟ فو الله ما لنا زاد ولا مال! فنزلت، قاله ابن عباس.
والثاني: أن الأنصار كانوا ينفقون ويتصدّقون، فأصابهم سنة، فأمسكوا فنزلت، قاله أبو جبيرة بن الضحاك.
والسبيل في اللغة: الطريق. وإنما استعملت هذه الكلمة في الجهاد، لأنه السبيل الذي يقاتل فيه على عقد الدين. والتهلكة: بمعنى الهلاك، يقال: هلك الرجل يهلك هلاكاً وهُلكاً وتهلكة. قال المبرد: وأراد بالأيدي: الأنفس فعبر بالبعض عن الكل. وفي المراد بالتهلكة هاهنا أربعة أقوال:
(80) لم أقف عليه بعد البحث، ولم يذكره سوى المصنف والقرطبي 2/ 360، فهو لا شيء لخلوه عن الإسناد.
- وانظر ما بعده.
صحيح. أخرجه أبو يعلى كما في «إتحاف المهرة» 6345 وابن حبان 5709 والطبراني 22/ 390 والواحدي في «الأسباب» 105 من طريق هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن الضحاك بن أبي جبيرة به. كذا وقع عندهم سوى الطبراني قال: أبو جبيرة بن الضحاك. وهذا هو الصواب.
ورجال إسناده رجال البخاري ومسلم سوى حمّاد فقد تفرد عنه مسلم. وصحابية مختلف في صحبته. قال البوصيري في «الإتحاف» : رجال أبي يعلى ثقات. وقال الهيثمي في «المجمع» 6/ 317: رجاله رجال الصحيح.
اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 157